lundi 30 juillet 2012

قصة شاب




عندما تشرق الشمس في كل العالم و يظل الظلام حالكا في داخلك فتحس بأن الهواء   قد امتنع عن الدخول إلى رئتيك و أن قلبك قد يخونك في أية لحظة ويفاجئك بتوقفه.هكذا كان احساس هذا الشاب العربي عندما استيقظ في الصباح الباكر ليستعد ليوم كباقي الأيام  
.العادية

استيقظ ليجد والدته قد أعدت وجبة الفطور ، فقبَّل يدها بحب كبير و جلس على الأرض إلى جانب شقيقته
و بدأ يتأمل
أمَّه بعينيه الصغيرتان اللتان أرهقهما سهر الليالي .لأول مرة يمعن النظر في وجهها و يدقق في  ملامحها،لأول مرة تثير انتباهه تلك التجاعيد التي خلفها الزمن دليلا على سنوات من الكفاح.فتلك المرأة القوية الواقفة أمامه تحملت من الأعاصير و الزوابع ما تعجز الطبيعة على تحمله.فبعد فقدانها لزوجها في أولى سنوات زواجهما ، أصبح كل ما تمتلكه في هذا العالم ولدان و فتاة ، ليسلب منها الموت مرة أخرى أحد فلذات كبدها بنفس الطريقة التي سلب بها منها زوجها،اشتباكات مع العدو، كلفتها اثنان من أعز الأرواح.و هاهي الان
 لا زلت تعيش بذكراهما و  بذكرى أشخاص اخرين فارقتهم منذ فترة طويلة
 لاحظت الأم نظرات ابنها و ابتسمت ابتسامة خفيفة أيقظت الإبن من بحر الذكريات الذي كان يسبح فيه.فجأة أحس بنسيم عليل يتسرب إلى قلبه ، كيف لا وهو ينظر إلى ابتسامة إنسانة غرست فيه المبائ و القيم قبل أن تمنحه الحياة ، إنسانة أفلحت في خلق تلك المعزوفة  
.في أعماقه،تلك المعزوفة التي يمتزج فيها الصمود و العزيمة و الإصرار بحب أبدي لوطن محتل

لعل والدته ليست الوحيدة التي نجحت في تحقيق تلك المعادلة الصعبة،لكنها واحدة من الأمهات الفاضلات اللواتي أنتجن لذلك الوطن  
. شعبا لا يمل و لا يضعف

نهض الشاب و قبَّل رأس والدته بعد أن شكرها على الفطور و همَّ خارجا لإصطحاب شقيقته إلى مدرستها. و أمام باب بيتهم شاهد أحد جنود العدو يكلم فتاة عربية ،توقف برهة ليتحقق الأمر،فإذا بصوت الفتاة يعلووإذا بيد الجندي تمتد إلى الفتاة بصفعة قوية دفعت الشاب إلى التدخل لإيقاف هذه المهزلة.حاول الشاب في البداية أن يتدخل بهدوء لكن معاملة الجندي العنيفة دفعت به إلى استخدام العنف،فإذا بالخلاف يشتد وإذا بدورية من دوريات العدو تحضر، بعد أن إستعان بها ذلك الجندي الجبان، الذي لم يقوى على مجابهة الشاب.نزل أحد الجنود من السيارة خلسة  ، صوب سلاحه نحو ظهر الشاب ، فهو لا يستطيع الوقوف أمامه،لأنه ببساطة أحقر من أن ينال شرف  
.المواجهة
 .فإذا بصوت الرصاص يدوي في أذني الأم دويا غريبا جعل البيت يهتز و جعل قلب الأم يرُجُّ رجا عنيفا
أسرعت الأم إلى خارج البيت لتجد جزء اً منها يلفظ آخر أنفاسه وسط بركة من الدماء...ضاع منها تماسكها أحست للحظة بأمواج من الأحاسيس المتناقضة تجتاح قلبها...أحست بكل جسمها يتمزق إلى أشلاء.. لكن شرف الشهادة التي نالها ابنها كان يمدها بالصبرويهدئ من هيجان أمومتها.. فاستجمعت قواها ، رفضت الإنهيار أمام ابنها حتى في لحظاته الأخيرة...اقتربت منه وأخدته بين أحضانها وهي  تحدق إلى وجهه..كان يبتسم فرحا لكونه يودع العالم و آخر مايتأمله وجه والدته..و هي بدورها كانت تدندن له بتلك الأنشودة التي كان ينام بعد سماعها كأنها تقول له لا تخف كل شيء سيصبح بخير...كانت تعلم أن هذه اللحظة ستكون بداية ذكرى جديدة تعيش بها ما تبقى  
من حياتها، لكنها رغم ذلك رفضت الإنهيار و ظلت تصارع ذلك الألم في  
.أعماقها،كأنها امرئتان في امرأة واحدة

رحل الشاب وأهدى برحيله ألما في باقة عذاب ملون ليست بأولى الباقات التي تسلمتها هذه الأم العربية و لا بآخر الباقات التي ستتسلمها أمهات أخريات في هذا البلد المغتصَب.لتضل تلك الباقة دليلا واضحا على بذرة صالحة زرعت في أبناء ذلك الوطن العربي و تأكيدا  
.على صمود لآخر الأزمان

       
<<تحية حب و احترام للشعب الفلسطيني الذي علمني قيما في زمن انعدمت فيه القيم>>

                                   خديجة غزلان